الجمعة، 17 يونيو 2011

الفقراء أولاً يا ولاد الكلب!


ما هو أول ما يتبادر إلى ذهنك عندما ترى هذه الصورة؟
المعتاد هو انهمار  سيل من تعليقات السخرية  من قبيل "مين كنج الرومانسية ده؟" "مين البرنس ملك السرس؟" .. والكثيرين جدا منا في الفيس قد رأو صورة شعبان وصباح بكل ما تستدعيه دائماً من افيهات، بل إن هناك الآن صفحات مخصصة للضحك على صور وأفعال هؤلاء العالم البيئة السرسجية مثل هذه الصفحة التي تجاوز عدد أعضائها الـ 23 ألف ..

المفاجأة اللطيفة المختلفة قليلاً هذه المرة أن صاحب هذه الصورة، كنج الرومانسية، البرنس ملك السرس هو  الشهيد محمد عبدالحميد برصاص الشرطة يوم جمعة الغضب عند قسم الزاوية الحمراء!
شهير  بين أصدقاءه بـ(كامبا) .. كان يعمل في محطة بنزين نظير البقشيش

له اختان وأخ كلهم متزوجين وهو أصغرهم يسكن في شارع 6 أكتوبر المتفرع من شارع أحمد حشاد، وصلوا عليه في مسجد النذير في شارع منشية الجمل ودفن في ترب الغفير .



كنت أذكر نفسي وأبقي شعلة الحقد المقدس مشتعلة في قلبي بالمرور على صور الشهداء عندما لفت نظري أن نسبة كبيرة فعلاً منهم هم ممن يسمونهم (العيال السرسجية)، الشباب أبناء المناطق الشعبية والعشوائية الفقيرة الذين الذين تكشفهم ملابسهم الرخيصة ومحاولاتهم للتأنق أو ادعاء الرومانسية بنظرات متأملة متشبهين بمن يرونهم في التلفزيون أو  في شوارع المناطق الأرقى .. فلنشاهد معاً:




الشهيد احمد محمد سيد 
19 سنة - وحيد أبويه على أربع بنات
هذا هو ما كتبه أحد معارفه تحت صورته: (امه حزينه ولكل ينتظر قضاء ربنا لانها تسارع الموت وهى امنيتها الوحيده بانها تشوف صورت ابنها فى التلفزيون واليوم كان فى تكريم للشهداء فى بنى سويف وذهب ابوه وهو سعيد لانهم هيكرمو ابنه قالوا ليه اسم ابنك مش معانا لاتتخيلو الصدمه والبكاء واخذا يصرخ دم ابنى راح هدر
ارجو الاهتمام لان اسره هذا الشاب فقيره جداجدا ولكن هى لاتريد غير ان يكرمو ابنهم والناس تقول بانه دافع علشانه بروحه هذا هو مطلبهم الوحيد ارجو ان تساعونى)


شهداء شارع أبو سليمان - الاسكندرية


الشهيد سيد فرج مسعود - العائل الوحيد لأسرته



الشهيد سامح عبدالفتاح محمد
21 سنه - كليه تجاره جامعه عين شمس
قتل بالرصاص أثناء محاولته انقاذ أحد المصابين أمام قسم الحدائق



 الشهيد محمود حلمى 
27 سنة - الأسكندرية - خطب قبل الثورة بشهر وكان من المقرر أن يتزوج في مايو - استشهد في ميدان المنشية برصاصة في الرأس




الزوج وزوجته استشهدا في مركز الواسطى بمحافظة بني سويف تاركين ثلاثة أيتام













 الشهيد محمود على حجاب الشويحى
23 سنة - الأسكندرية - خريج معهد ايطالى لعلوم الحاسب الالى
استشهد يوم جمعة الغضب برصاصة في الرأس





 الشهيد محمد نيازي - 16 سنة - الكوم الأحمر



الشهيدمحمود خليل 
23 سنة - 10عنوانه: حارة ابو زيد متفرع من شارع الصبان بالشرابية
اصيب بطلقتين يوم الجمعة 28 وتم العثور عليه بعد 3 اسابيع
 





الشهيد إمام كمال محمد عبد الله 
أسرته فقيرة جداً ووالده متوفي وهو عائل أمه واخواته
العنوان: 2 شارع أحمد الصاوي -جزيرة دار السلام-القاهره






الشهيد خالد علي - دمياط




لماذا لا نرى أبداً صور أي واحد من هؤلاء وأمثالهم؟
لماذا لا يتم التركيز أبداً عند الحديث عن (شباب الثورة) أو (شهداء الثورة) إلا على أمثالنا فئة شباب الطبقة المتوسطة/البرجوازية الصغيرة المتعلم الأنيق الذين خرج منهم شباب الائتلافات و6 أبريل؟
لماذا غاب عن تحقيق المصري اليوم التاريخي إياه الذي تحولت صور الشهداء الذين ظهروا فيه إلى أيقونات بصرية أي صورة لأحد هؤلاء؟ هل لأنهم (بيئة) أو (سرسجية) فلا يصح أن يكونوا من (الورد اللي فتح في جناين مصر)؟
على كل حال هم لم يهتموا طوال حياتهم بالورد، لأنهم اهتموا بالأهم: الخبز.

*****

إنا نُحِبُ الوَرد

لكنَّا نُحِبُ الخُبزَ أكثر
ونحبُ عِطْرَ الوَرد
لكن السَنَابلَ منهُ أطهَر

محمود درويش

*****

يستفزني دائماً ذلك الجدال السخيف الذي يدور من حين لآخر حول دور كل قوة سياسية أو تنظيم شبابي في الثورة، ولا بد من الشجار حول أهمية دور 6 أبريل وحول اليوم الذي بدأ الاخوان المشاركة فيه وهل حقاً تأخروا ثم ركبوا موجة الثورة، وما مدى دورهم يوم موقعة الجمل وهل لو غابوا لسقط الميدان وانتهت الثورة ...الخ الخ، لكن لا يتحدث أحد تقريباً عن الدور الأهم وهو دور (العيال السرسجية) في حماية الثورة والتصدي لقوات الشرطة واحراق سياراتهم وأقسامهم خاصة يوم 28،مع أنه فعلاً ربما لولا هذا لما سقطت الداخلية في بضع ساعات!.

للأسف لم أحضر جمعة الغضب في القاهرة كما كنت أنتوي لاعتقالي وقتها، لكن ابن خالتي حكى لي شهادته عن ما حدث يوم جمعة الغضب، وبالتأكيد ما شاهده هو نموذج لما تكرر في كل مكان في مصر .. كان قد نزل للتظاهر السلمي المعتاد مع مجموعة محدودة من أصدقاءه، صلوا الجمعة في مسجد السيدة عائشة وبمجرد بدايتهم الهتاف انهالت عليهم قوات الأمن بالضرب وقنابل الغاز والرصاص و.... "وأنا وأصحابي جرينا ندور على حتة نستخبى فيها، والرصاص وقنابل الغاز دخلو بلكونات البيوت فلقينا الناس أهل المنطقة عمالين ييجو وهما بيهتفو (***** أمك .. يا مبارك) (حكومة وسخة .. يا ولاد الوسخة) و ( ولاد الـ ****** .. باطل)، وكل واحد نازل بسنجة ولا بمطوة واللي يطول عسكري أو ظابط يغزه، والستات من البيوت كل واحدة منزلة سبت، كنت فاكرهم بينزلو خل طلعو بينزلو قزايز غاز والعيال تعملها مولتوف وترمي على العربيات والعساكر، مفيش ساعتين تلاتة وكان كل العربيات ولعت والعساكر والظباط هربو والقسم اتحرق!"

صديق آخر من الجيزة حكى لي قصة مشابهة "...قلت أنا لازم أنزل النهاردة أضرَب وأضرِب، لقيت عيال المنطقة نازلين بعد الصلاه فنزلت معاهم طلعو عيال سيس أول ما العساكر يضربوهم وياخدو منهم كام واحد ويضربو قنابل الغاز يرجعو يجرو، شوية ولقيت عيال الطالبية - منطقة شعبية قريبة - جايين قلت بس هما دول .. الواد منهم يضرب الترامادول - أقراص مخدرة - وينط فوق المدرعة يجيب العسكري اللي فيها وينزل بيه! .. شوية وعرفو يسحبو العساكر على المنطقة عندهم وفي ثواني كانو حلقو عليهم من قدام وورا والعيال من فوق السطوح ترمي طوب ومولتوف، مفيش ساعة وكانت الداخلية كلها هربت والظباط قلعو هدومهم قبل ما يجرو ملط!"

ونفس المحتوى تقريباً حكاه د.محمد سليم العوا أمامي عن شباب شبرا الذين أتو بالعصي والمطاوي وكسر الرخام ليدافعوا عن مرافقيه من شباب مدينة نصر عند مدخل التحرير من ناحية فندق هيلتون رمسيس .. وهناك من حكى لي أيضاً عن مشاركة أبناء شبرا والدويقة في الدفاع عن الميدان يوم موقعة الجمل
.

هؤلاء لم يخرجوا ليطالبوا بالدستور - سواء كان أولاً أم آخراً- ولا بالانتخابات، لم يخرجوا لتكون مصر ليبرالية أو مدنية أو إسلامية أو مهلبية! .. خرجوا فقط للأسباب التي تلمس واقعهم .. أسعار الطعام والملابس والمساكن التي ترتفع بجنون، أمين الشرطة الذي يوقف ميكروباص أخيه ليسرق منه خمسين جنيهاً، الضابط الذي أخذه تحري وعذبه لأيام بلا ذنب، أخته التي لا يملك نقوداً (ليجهزها)، عمه الذي تم تسريحه معاش مبكر بعد خصخصة المصنع، ابن عمه الذي خسر كل شيء في أراضي شباب الخريجين التي مات فيها الزرع عطشاً بعد تفضيل أراضي الكبار، خالته التي ماتت بالسرطان ولم يجدوا لها سريراً في المستشفى الحكومي ...الخ الخ الخ

في مشهد يلخص كل شيء في هذا الفيديو - عند 5:50 -الذي يصور حرق قسم السيدة زينب يطلب مصور الفيديو - الذي يبدو من صوته وأسلوب كلامه أنه من الطبقة المتوسطة المتعلمة - من أحد الشباب الذي يبدو أنه ابن المنطقة الشعبية أن "ياخد باله من ضرب النار" فكان رده التلقائي "عادي .. خلاص معادتش فارقة أموت ولا ماموتش" .. لم يقل له "كله يهون عشان مصر" أو "أموت شهيد فداء الاسلام" .. لا تنظير أو (كلام كبير) من أي نوع، ليس الوطن أو الدين أو حتى الكرامة .. فقط الشعور العدمي بأن حياته بهذا الوضع البائس لا تختلف كثيراً عن موته ..
 هل كان يتصور أنه سيأتي يوم يقول فيه البعض أن عدم وضع الدستور أولاً هو خيانة لدماء الشهداء، ليرد عليهم فريق (الانتخابات أولاً) بأننا نحن أكثر من قدم الدماء والتضحيات دفاعاً عن الثورة؟!

*****


الحق أقول لكم:
لا حق لحى إن ضاعت
فى الأرض حقوق الأموات 
لاحق لميت إن يهتك
عرض الكلمات !
وإذا كان عذاب الموتى
أصبح سلعة
أو أحجبه أو أيقونه
أو إعلانا أو نيشانا 
فعلى العصر اللعنة،
والطوفان قريب

الأبطال 
بمعنى الكلمة 
ماتوا لم ينتظروا كلمه 
مادار بخلد الواحد منهم
- حين استشهد -
أن الإستشهاد بطوله
أو حتى أن يعطى شيئاً
للجيل القادم من بعده
فهو شهيد لا متفلسف
ماذا يتمنى أن يأخذ
من أعطى آخر ما يملك 
فى سورة غضب أو حب ؟!

نجيب سرور



*****



بالنسبة لهؤلاء - الممثلين لـ 40 % من المصريين تحت خط الفقر، منهم 12 مليوناً يعيشون في العشوائيات و  1,5 مليون يعيشون في المقابر - كل الصراع حول الدستور والانتخابات ونظام حكم البلد عبارة عن كلام جرايد لا يمثل أي شيء إلا بقدر تأثيره المباشر جداً على فرص عملهم ورواتبهم وظروف معيشتهم، وهو ما لا يبدو أن أي من الفرق المتصارعة يهتم به فعلياً، والنتيجة أن قطاعاً كبيراً جداً من الناس يشتمون الآن الثورة والثوار والسياسيين جميعاً بعد ارتفاع أسعار كل السلع تقريباً هذه الأيام - وهو ما شكل خيبة أمل كبرى عند عامةالشعب الذي ظن أن الأسعار إن لم تنخفض فستثبت - وبعد المزيد من انسداد سبل الرزق، على حد تعبير سائق الميكروباص الذي نقلت عنه في تدوينتي السابقة "والله فيه ناس تعبانة وأغلب من الغلب مش لاقيين ياكلو والعشرة جنيه تفرق معاهم بس انتو مش عارفين .. أنا راجل أعرف أجيب القرش لكن الناس الكبيرة اللي عدا الستين سبعين سنة ومش بيشتغل وعايز يجيب دوا يعمل ايه؟ .. وفيه ناس كانو عايشين أرزقيه على باب الله دلوقتي بعد الثورة - أستغفر الله العظيم - حتى باب الله معادوش لاقيينه!" 

لم نسمع صوتاً لأحد من (النخبة) معترضاً على ارتفاع الأسعار .. من قلبوا الدنيا عند إشاعة تعرض ناشطة للضرب لم نسمع لهم صوتاً للتضامن مع معتصمي مخيمات مدينة السلام، بل ربما أدانهم البعض فهم أصحاب (مطالب فئوية) .. كان عليهم أن يخرسوا وينتظروا في الشارع أو عشش الصفيح إلى أن ننهي خلافتنا الأهم من تفاهاتهم!

في التسعينات كان أردوغان يحضر مؤتمراً لممثلي المنظمات الإسلامية، وبدلاً من أن يقول أنه سيعمل على (تطبيق الشريعة) أو (نشر الروح الاسلامية في النسيج المجتمعي) قال لهم أنه سيعمل على حل مشكلة الصرف الصحي في اسطانبول، ليضج الحاضرون بالضحك!
لكن هذا فقط ما أوصله وأوصل تركيا بالتبعية إلى ما هم عليه الآن، لا ينتخب الأتراك حزبه لأنه إسلامي بل لأنه من أثبت قدرته على حل مشاكلهم اليومية الواقعية .. ليس لدينا أردوغان مصري حتى الآن للأسف ... لدينا فقط العواجيز النخبويون المملون الذين مازالوا غارقين في تنظيرات
(إسلامية/علمانية) و (الدستور أولاً/الانتخابات أولاً)، ولهم جميعاً أقول: 

الفقراء أولاً يا ولاد الكلب!


تحديث::
بعض ردود الأفعال على التدوينة:

حلقة برنامج أجندة مفتوحة مع والد الشهيد محمد عبدالحميد صاحب أول صورة في التدوينة، وأ.وائل جمال مدير تحرير الشروق، والعبد لله .. كلام الحج عبدالحميد مهم جداً .. وكأن كل طيبة وصدق وآلام ونُبل شعبنا قد تجمعوا في هذا الرجل ..



حلقة برنامج محمود سعد على قناة التحرير مع العبدلله




بوابة الأهرام: صفحة خالد سعيد ترفع شعار الفقراء أولاً

مقال د.عمرو حمزاوي: الفقراء أولاً - الشروق 

مقال أ.فهمي هويدي: ثورة مصر تبحث عن بوصلة - الشروق

مقال أ.إبراهيم عيسى: الحرية أهم من الفقراء - التحرير

العبدلله: عفواً أ.إبراهيم عيسى .. بل الفقراء أهم من الحرية!

الأربعاء، 15 يونيو 2011

حتميات تاريخية ..!


"مبارك ده وسخ أساساً ودِنِي .. ده حتى ملوش خير في أهله ولا كان معبرهم .. عارف يا باشا؟ .. أنا أًصلاً م المحلة، لما حصل عندنا القلق اللي من كام سنة قالو لمبارك الشعب تعبان وممكن يقلبو عليك بالذات في المحلة، فانت الحق إدي كل واحد في مصر 100 ألف جنيه وهما كلهم هيحبوك وهينتخبوك انت وابنك، وابتدي باللي في المحلة، بس هو مرضيش .. كان طلعلنا حتى مليار واحد من اللي عنده فرقه علينا ومكانتش هتفرق معاه، بس هو مرضيش عشان ابن (عاهرة)"

"جوز اختي أمين شرطة كان بيقبض 600 جنيه ومراته شغالة في مصنع غزل عندنا في المحلة بتقبض 500 جنيه .. هما الاتنين سوا بيجيبو 1100 جنيه، لولاش بس هما في البلد ومربيين فراخ وحمام وبط مكانوش عرفو يعيشو، بس أمين الشرطة اللي معندوش كده يعمل ايه؟ مهو لازم يبلطج على خلق الله ويمد إيده للحرام .. كله من ابن (العاهرة) اللي فقرنا وركب العادلي ابن (العاهرة) فوق الداخلية"


"الشرطة دول ولاد (عاهرة) .. كنت أبقى ماشي بالمكروباص في أمان الله يوقفني أمن الدولة ولاد (العاهرة) ويقولو للي معايا ينزلو يروح كله ينزل من سكات، ودول يركبم ويجيبو معاهم عساكر وأمنا وياخدوني لبيت واحد شيخ بتاع ربنا وف حاله، يا إما يكسرو عليه الباب يا إما واحد منهم يرمي خطاف بحبل على البلكونة ويدخل عليهم من فوق، ولا تقولي حرمة بيت بقى ولا بتاع، وبعدين الشيخ ده ياخدوه عندهم ويخلو مخبر يعمل فيه الغلط من ورا لا مؤاخذة .. طب انت عارف يا بيه؟ .. والله والله أنا عايزهم يحبسوني في طرة مع حبيب العادلي ابن الوسخة عشان (أغتصبه) وبعدين يعملو فيا أي حاجة أنا راضي .. أنا عارف إنها كِبيرة - بكسر الكاف - وتهز عرش ربنا وممكن عشانها ربنا يولع فيا، بس أنا هقوله معلش يا رب هو يستاهل..!"




(*) طبعا غني عن الذكر إن الكلمات بين القوسين هي معاني مخففة للالفاظ اللي كان بيستخدمها، وإن فيه نص دستة من الالفاظ المختلفة التي تحمل معنى (ابن العاهرة)


___________



تحديث::
الصورة لم ألتقطها لقائد الميكروباص طبعاً، هي مجرد صورة وجدتها على النت بالبحث في صور جوجل لأضع صورة مناسبة هنا .. كنت أظن هذا واضحاً فلم أنوه عنه، لكن حيث ان هنا من ظن أني من صورها،  فقد وجب التنويه :)

قصة الطبيب الذي تمطر السماء عليه وحده



عندما شعر بتلك القطرات الباردة على رأسه، أسرع في مشيه تلقائياً ليبتعد عن التكييف / الغسيل المنشور / الطفل العابث، لكن قطرات الماء لم تتوقف . رفع يده ليمسح الماء من على جبهته لكنه فوجيء بيده جافة تماماً . رفع بصره لأعلى فشاهد تلك السحابة الصغيرة التي تمطر عليه وحده، وكما هو واضح فهو وحده أيضاً من يراها ويشعر بأمطارها! . بعد أن تجاوز غرابة الأمر فكر في أن الحياة تمنحه فرصة تحقيق حلم طفولته الساذج بامساك السحاب بيديه . مد يده إلى السحابة لكنها كانت أعلى من أعلى ارتفاع ليده بشبر واحد . صعد فوق الرصيف ومد يده لكن السحابة ارتفعت لتل بالضبط على بعد نفس الشبر . صعد إلى سطوح منزله وأحضر صندوقاً وقف عليه وكرر المحاولة فتكررت النتيجة . مازال حلماً مستحيلاً إذاً .

أصبح منذ تلك اللحظة يرى سحابات كل البشر . يشتري اللحم من الجزار الغشاش (سحابة تبعث رائحة كريهة) . يبتعد في الشارع عن ذلك الضابط (سحابة سوداء) الذي يسحب رخص سائق سيارة الأجرة العجوز (سحابة تبكي مطراً غزيراً) . يستمع إلى محاضرة الأستاذ المغرور (سحابته أعلى من رأسه بأمتار كثيرة) . يتشاجر مع سحابة رعدية تقود سيارتها بسرعة وتهور . سحابة أمطار حامضية تعاكس بنت جيرانه فينهرها . يصلي في المسجد خلف سحابة بيضاء نقية .

في اليوم التالي ذهب إلى المستشفى ليتابع الحالة التي اختار أن يكون مسؤولا عنها بعد تهرب الجميع، لا أحد يحب تحمل مسئولية حالة ستموت قريباً . الأطفال رائعين عندما يكون منظرهم جميلاً ولامعاً كأطفال إعلانات الألبان والحفاظات، والعطف عليهم يمنحك مظهر الطبيب الانسان ذو القلب الرقيق، لكن إذا أصبح أحد هؤلاء الأطفال محروقاً حتى التفحم، مشوهأ بجروح متقرحة مليئة بالصديد والرائحة الكريهة، فلا أحد يطيق مجرد النظر إليه .

سمع الغناء من على باب الغرفة، ثم دخل فرأى تلك السحابة الشفافة تحمل الطفل وتغني له . اقترب منهما فشاهده الطفل الذي نظر مباشرة إلى سحابته وكرر ما كان يقوله منذ أيام دون أن يفهمه أبداً: "أمو .. آيز .. آبة" . قالت له باسمة : "بيقولك عايز سحابة .. ماتديه من سحابتك حتة!" . 
اقترب اكثر، فمد الطفل يده، ونزلت له السحابة فأخذ منها قطعة صغيرة صغيرة، ووضعها لها في جيب المعطف الأبيض أمام قلبها بالضبط، وكانت سحابتها الآن تتحول للون الوردي، وكان الطفل يضحك، وكان راتبه الضئيل، ومستقبله الغامض، والمستشفى بضوضائها وزحامها ومآسيها، والأستاذ المغرور، وكل السحاب الأسود يبدون بعيدين جداً، وكان قوس قزح يمتد بين سحابتيهما .







===





كنت كاتبها من مدة طويييلة كتجربة في هذا النوع من الكتابة - بيسموه الواقعية السحرية - اللي اصلا مليش فيه، ولما قريتها دلوقتي مش حاببها بس لا بأس من نشرها برضه وجايز تعجب حد فكما يقولون (كل فولة ولها كيال) حتى لو كنت انا نفسي زارع الفولة دي مش هكَيِّلها!

عودٌ ربما يكون أحمد ..


(قبل البداية: لو مكانش خطر على بالك القلشة السخيفة بتاعة "هو عود أحمد ولا محمد" أديني قلتهالك، فمفيش داعي تقولهالي بقى)

مدخلتش هنا من قرون سحيقة .. لما فتحت المدونة كنت متحمس جداً اني هكتب كتير وعندي مشاريع وافكار كتير متنوعة وبلا بلا بلا، لكن نظرية (الفسسسسس الكبير) أدت عملها بكفاءة كالعادة، واللي حصل اني اكتفتيت بنقل وتجميع حاجات كنت ناشرها في اماكن اخرى وبسسس مكتبتش اي حاجة لا هنا ولا غير هنا .. مرت شهور من آخر مرة كتبت فيها أي حاجة أصلاً .. الانشغال في الحياة ومحاولات المذاكرة .. الثورة اللي اخدتني لفترة كبيرة للواقع الحقيقي بعيداً عن الواقع الانترنتي الافتراضي ..


واقعياً أنا عارف ان ده مش السبب .. انا مش عارف هو ايه السبب بالظبط .. دايماً كإني مشغول جداً إلى حد إن معنديش وقت أقرا ولا اكتب ولا اشوف افلام، ومش فاهم مشغول بالظبط في ايه .. لاحظت فقط اني لما باكون مفروض اعمل حاجة ما سواء على النت أو الواقع بالقالني باتفنن في تضييع وقت طويييل في لا شيء .. تحديث لهوم الفيس باستمرار، مشاهدة فيديوز على يوتيوب، اتكلم مع حد مش مهم على الماسنجر .. تقريباً وجود الدراسة والمذاكرة كعامل دائم في لاوعيي واني غالبا داخل النت وانا مستنى زعيق من بابا او ماما له دور ما في الأمر .. دائما ذاك الشعور ان الوقت مش ملكي واني لو بدأت مش هكمل .. بالاضافة لانه ربما حيلة نفسيه دفاعية من لاوعيي للهرب من بعض الضغط العصبي اللي بتمثله الكتابة احياناً .. مش عارف بقى ..

وبرضه عندي سوء تنظيم وقت رهييييب، ودائماً تأجيل عمل اليوم إلى الغد وما بعد الغد وما بعد بعد الغد، وده ينطبق على كل الاعمال تقريبا، سو دايما هناك كذا كتاب باقراهم على التوازي مخلصوش، ودايما هناك حاجات بدأت كتابتها ومكملتش، ودايماً هناك دروس بدات مذاكرتها وركنتها ..

المهم اني قررت انه إيناف إز إيناف بقى - على رأي الست ليفني .. نفتح صفحة جديدة ونجرب ..

لما دخلت المدونة بعد قرون من الغياب وقريت ما كتبت قبل كده من قصص حسيت انهم زبالة! .. انا كنت ناوي اعمل بوست كامل انقد فيه نفسي بس بعدين قلت بلاش عشان مافتحش عين الناس لو مش واخدين بالهم .. الامر اشبه باني لو اعرف حد مناخيره طويلة شوية وانا مش واخد بالي اصلا، ثم جه حد قالي عنه "هو مناخيره طويلة شوية بس برضه شكله حلو" .. كده كل ما اشوفه هاخد بالي من تلك الملحوظة وافكر فيها، وانا مكنتش قبل كده شايفها اصلا!
لذا الصمت احسن لكن تظل الحقيقة: لو حسيت ايها القاريء ان قصصي زبالة - بالذات اتنين منهم مش طايقهم اطلاااااااااااااااااااااقااااااا مش عارف ازاي كتبت كده اصلا - انا باقولك عندك حق :)

المدونة نفسها برضه حسيت ان كل حاجة فيها مش حلوة، لدرجة اوشكت على تغيير اسمها نفسه .. غيرت في شكل المدونة، ولسه قابلة للمزيد من التطور .. أدينا هنشوف .. المهم استديم عليها بقى .. عايز بعض النظام في حياتي زي ما شادي بيعمل .. وضعت خطة لحد ادنى من الاوقات الثابتة يوميا للمذاكرة والقراية والنت ومحاولات الكتابة ..

ياااااااااا رب