الجمعة، 21 أكتوبر 2011

عندما قال عضو الإخوان وهو ينزع لافتات البرادعي وأبوالفتوح: المكان ده بتاعنا !


"عبرت ميدان التحرير آلاف المرات طوال أكثر من نصف قرن, لكنه اليوم له معنى آخر، وطعم آخر، واحساس آخر .. كنت أري صوره في عنفوان الثورة في أسابيعها الأولى، أتأمل فلا أرى إلا رؤوسا و أجسادا، رؤوسا تلتصق، وأجسادا ترتطم و تتعانق، وروحا واحدة، أصبح الكل في واحد، وكان هذا الواحد هو مصر .. أملي أن يمنح المصريون هذا الميدان ما يستحقه من إجلال و احترام"

كانت هذه هي كلمات العظيم فاروق شوشة، معبراً بطلاقة عن فكرة اكتساب بعض الأماكن نتيجة الأحداث التي مرت بها رمزية وثقلاً نفسياً أكبر بكثير من كونها مجرد جمادات محايدة، وكأن أجزاء من أرواح كل من مروا هنا في الأحداث الماضية بقيت في المكان ثتير الذكرى والمشاعر .. عندما أفكر باحثاً عن مكان ما في أسيوط يمكن أن ينطبق عليه هذا الكلام يتبادر إلى ذهني فوراً ساحة مسجد أبوالجود حيث أكبر تجمع لصلاة العيد ..

لا أعرف بدقة العام الذي بدأت فيه الجماعة الاسلامية الدعوة للصلاة هناك ليعيدوا تطبيق سنة الصلاة في الخلاء التي كانت قد اندثرت قبلهم، غالباً الأمر يرجع للثمانينات .. قرب منزل جدتي أمام مسجد الرحمة - الذي كان مسرحاً لمواجهات عنيفة بين الأمن والجماعات، تحكي أمي عن رؤيتها قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص في الهواء، وعرفت بعدها أن هناك من تم قتلهم داخل المسجد! - أمر دائماً على رسم قديم باهت مطبوع على الحائط فيه أن "الجماعة الإسلامية تدعوكم لصلاة العيد بساحة مسجد أبوالجود" .. تم ازالته العام الماضي فقط على يد المحافظ الذي وحد ألوان العمارات ...

المسجد وساحته بالقرب من (المنفذ) الذي تعبر منه العربات بين جانبي شريط السكة الحديد الذي يقسم المدينة إلى حييّ شرق وغرب، وهو ملتقى لعدد من أهم شوارع وكباري المدينة، لذا يمكن أن نفهم حيوية المكان وسبب تحوله لساحة صراع بين الجماعة الإسلامية ثم وريثتها الإخوان وبين الأمن، كلا الطرفين اعتبرها أقرب لمعركة كرامة أو اثبات وجود وسيطرة، وكل عيد يبتكر أحدهما وسيلة جديدة ليقوم الطرف الآخر بردها في العيد التالي وابتكار وسيلة جديدة وهكذا .. كان رجال الجماعة يبيتون في المكان من الليلة السابقة وتأتي نساء الجماعة مبكراً جداً، ومن قبل الاثنين يرابط هناك كل قيادات مديرية الأمن مع حشود من جنود الأمن المركزي ..


ينقسم تاريخ هذا الصراع لمرحلتين رئيسييتين، الأولى هي التي عايشتها منذ وعيت على الدنيا وحتى 2005 حيث كان أمن الدولة يبذل كل ما بوسعه للتضييق على الناس ومنعهم من الصلاة هنا، دائماً هناك الصراع على (الفرش) الذي يأتي به الإخوان، وأذكر أنهم في أحد المرات استولوا على حمولة عربة ربع نقل كاملة، احياناً ينجحون وأحياناً يفشلون، لكن دائماً كانت هذه الوسيلة لا تؤثر لأن تقريباً كل شخص يأتي معه بما سيصلي عليه أو يقوم الناس تلقائياً بتقاسم صفحات الجرائد أو حتى الصلاة على الأسفلت مباشرة .. أذكر جيداً دهشتي في أحد المرات عندما كنت صغيراً وذهبت مع أمي لأجد المكان مرشوشاً بالماء، ظننت أن السماء أمطرت مساءاً بينما نحن نائمين، وعندما كبرت فهمت أن عربات المطافيء هي التي أمطرت بأمر الأمن!
أذكر أيضاً من صغري مشهداً للعجول التي كان الإخوان يذبحونها في عيد الأضحى في الساحة ويوزعون لحومها فوراً على الفقراء، قبل أن يقوم الأمن بمنع ذلك تماماً ..

المرحلة الثانية كانت بعد يأس الأمن من منع الناس من الصلاة هنا أو دفعهم لمكان بديل، وتسليمهم بالأمر الواقع أن الغالبية الساحقة من أهالي أسيوط يفضلون الصلاة في هذا المكان مهما حدث، وأن ضخامة الأعداد بعشرات الآلاف تجهض دائماً أي محاولة لمنع الناس من الصلاة هنا، فقرروا أخيراً استبدال سياسة المنع بسياسة الاحتواء والالتفاف ومسخ هوية المكان، خاصة أن تأثير الإخوان وظهورهم كان دائما يقتصر على مساحة معينة هي التي أمام المسجد وبالقرب منه بينما يمتد الناس لمسافات كبيرة في الشوارع الخلفية التي تكاد تخلو من أي وجود لهم. 
وهكذا فوجيء الإخوان بسيارات تلف المدينة وتعلن من مكبرات الصوت عن أن "وزارة الأوقاف ومحافظ أسيوط يدعونكم لصلاة العيد في ساحة مسجديّ أبوالجود وناصر"! لقد ضموا ساحة مسجد ناصر التاريخي العملاق القريبة على ساحة أبوالجود ليجتذبوا فائض الناس للصلاة هناك بعيداً عن وجود الإخوان وليستغلوا وجود أحد أهم شيوخ الصوفية الموالي للأمن هناك وهو ذو شعبية كبيرة أيضاً بين مريديه، وفي ليلة العيد بدلاً من الصراع على (الفرش) فوجيء الجميع بسيارات المحافظة تحمل سجاداً فاخراً كثيراً جداً وتولى عمال المحافظة والأوقاف فرشها مع وضع لافتات عملاقة على المداخل مكتوب عليها ترحيب المحافظ ووزارة الأوقاف، ومن قبل الفجر أتى كل شيوخ الأوقاف بالمدينة تقريباً بالأمر المباشر والتهديد ليحتلوا الصفوف الأولى داخل المسجد وفي الساحة - حيث أتى بعدها المحافظ وكل قيادات المحافظة والأمن ليصلوا هناك - وللمرة الأولى منذ وعيت على الدنيا يختفي صوت أ.محمد خلف ناظر مدرستي الثانوية، المهذب الرقيق الوقور منخفض الصوت الذي كان يكبر مع الناس باندماج وتناغم ويتخلل التكبير من حين لآخر بمقاطع عاطفية مختارة من رسالة (دعوتنا) للإمام البنا من قبيل "ونحب أن يعلم قومنا - وكل المسلمين قومنا - أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وانه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ...." وبدلاً منه أسمع من يكبر بصوت أجش رديء ويتخلل التكبيرات كل 10 دقائق بالتأكيد على أن "اللواء الوزير نبيل العزبي ووزارة الأوقاف يهنئون أهالي أسيوط الكرام بحلول العيد"! 
بعد الصلاة تستمر المفاجآت، فبعد خطبة طويلة جداً بشكل متعمد ليكون الكثير من الناس قد انصرفوا يكتشف الإخوان ان المسرح العملاق المنصوب أمام مسجد ناصر معد ليغني بعض شيوخ الصوفية بصوت عال نشاز يتم اذاعته بمكبرات الصوت الهائلة المنتشرة على طول الساحة مما غطى تماماً على صوت حفلة الاخوان الصغيرة المرتجلة التي كانت مقامة في ركن ضيق مستخدمين مكرفونات محمولة صغيرة، كما أن هذه الحفلة اجتذبت الكثير جداً من أبناء المناطق الشعبية الموجودين الذين يحبون هذا اللون من الغناء، وهكذا تقريباً لم يكن هناك أي حد محيط بحفلة الإخوان إلا الإخوان أنفسهم، كما ظهر في نفس الوقت العشرات ممن يرتدون أوشحة (الحزب الوطني) يوزعون الحلوى والهدايا مكان المشهد التقليدي لمن يرتدون أوشحة (الإخوان المسلمين)!

تتواصل الجولات في السنوات التالية، في مرة يقطع الإخوان سلك المكرفونات الموجودة فوق حفلتهم، وفي المرة التالية يعلق الأمن السلك عالياً جداً .. في مرة ينجح الأمن في منع دخول بعض زينات العيد المكتوب عليها (الإسلام هو الحل) مع تفتيشهم لكل من يدخل المكان مبكراً، وفي مرة تالية يدخل الإخوان كل ما يريدون بعد تقسيمه لكميات صغيرة تختبيء تحت الملابس وفجأة في لحظة معينة يمتليء المكان بالشعار .. في مرة يمزق الأمن كل لافتات مرشح الإخوان في المكان ويعلقون مكانها لافتات لمرشح الوطني، ثم بعد بداية ازدحام المكان فجأة بمبادرة سريعة ينزع الإخوان لافتات مرشح الوطني ويعدوا تعليق لافتات أخرى لمرشحهم تمكنوا من تهريبها للداخل! .. في مرة يصرخ ضابط أمن الدولة أمام الجميع مهدداً "العيال دول كلهم مستقبلهم هيضيع، والواد ده انا عارفه هجيبه من بيته!" وفي مرة يتحدث الضابط بهدوء واحترام ليتفاوض على حلول وسط .. 

إلى أن وصلنا لهذا العيد، عيد ما بعد الثورة ..في المساء أمر على مبنى الحزب الوطني القريب لأجد فوق المبنى لافتة كبيرة تحمل تهنئة حزب الحرية والعدالة بالعيد، لا أعرف إن كانت هذه مصادفة أم أنهم تعمدوا تعليقها هنا بالذات نكاية في الأعداء المهزومين . في الصباح أسمع للمرة الأولى عن منع الإخوان لتعليق لافتات البرادعي و 6 أبريل وعبدالمنعم أبوالفتوح وحزب الجبهة في الليلة الماضية على الكوبري الذي يعلو الساحة، وأن لافتة البرادعي تحديداً حدث حولها مشادة صعبة تبادل فيها الطرفان الضرب والشتائم! .. فيما بعد سيظهر تفاصيل كثيرة منها أن الاخوان أنفسهم كانوا منقسمين، الجميع استنكر التسرع بالضرب والشتائم والذي تورط فيه عدد محدود جداً منهم من كان مرافقاً للإخوان لا أعضاء أصيلين بهم، وقد قام بعض الإخوان الكبار بالاعتذار وتقبيل الرءوس على هذا الخطأ، لكن هذا لا ينفي أن الأغلبية بما فيهم الأخ القيادي مسئول المصلى أيدوا نزع اللافتات بالقوة .. فيما بعد سأجلس مع أحد أصدقائي الإخوان الذي كان من أبطال الموقعة، وسيحكي لي باقتناع تام كيف اعتذر بأدب وتهذيب عن الأسلوب العنيف الذي حدث لأستاذ محبوب في كليتي هو من تم منعه من تعليق لافتة حزب الجبهة، لكنه أيضاً تحدث معه بحدة مصمماً على موقفه:

" أنا قلت لدكتور فلان المكان ده بتاعنا! بالتاريخ وبالجغرافيا وبالواقع على الأرض ده مصلى الإخوان، وأقل حاجة من اللي هييجي يعلق هنا إنه ينسق معانا الأول، وبعدين انت مكناش بنشوفك قبل الثورة ولا كنت بتيجي تعلق يفط هنا معانا في عز أمن الدولة اشمعنى دلوقتي؟! .. قالي انت كده اقصائي، قلتله أنا اقصائي؟! طيب ما تروح عند السلفيين في الاستاد وعدي بس قدامهم باليفط دي وشوف هيعملو معاك إيه!" 
"كل أهل أسيوط عارفين أن ده مصلى الإخوان، هو كده بيتمحك فينا! وبعدين المرة الجاية هتبقى انتخابات ولو سبناها المرادي هتشوف شكل الساحة يبقى عامل ازاي المرة الجاية!"
"لو كان  فعلا د.فلان ود.فلان - قياديين كبار بالجماعة - قالولهم يعلقوا يفطهم يبقى ده رأيهم الفردي على عيني وراسي، لكن إحنا ملتزمين بالشورى مش بالأفراد، لجنة العيد من 12 فرد منهم 2 ممثلين للمكتب الإداري للمحافظة قررت إنه هنمنع تعليق أي لافتات لأي حد إلا الإخوان وحزب الحرية والعدالة يبقى الكل يلتزم بالقرار ده! .. وبعدين افرض هو عمل مؤتمر لحزب الجبهة ينفع أروح أنا أعلق يفط بتاعتي عنده؟ .. متقوليش صلاة العيد حاجة مختلفة، بالنسبالي مفيش أي فرق، الاتنين نشاط نظمته جهة ودعت الناس ليه!"
"متقوليش كسبنا وخسرنا إيه، كده ولا كده الإعلام والناس دول بيترصدولنا وبيشتمونا مهما عملنا"

عندما سمعت عن القصة للمرة الأولى ثم وأنا اتناقش معه كنت أشعر بانتهاك المكان، نفس شعور فرض غلق ميدان التحرير من عدد قليل جداً من المعتصمين ثم بالعكس بسط قوات الجيش والامن المركزي سيطرتها على صينية الميدان! .. عندما تتحول المساحات العامة التي تجاوزت رمزيتها التقسيمات والملكيات لمساحات خاصة يفرض عليها البعض سيطرته .

بعد أن تجاوزت مفاجأة ما سمعت كانت المفاجاة الأولى في المكان وأنا أدخل الساحة متمنياً عودة الصوت الرقيق للأستاذ محمد خلف هي أن صوته مازال غائباً، وحل مكانه صوت وكيل وزارة الأوقاف يقول في المكروفون من داخل المسجد كل 10 دقائق (الإخوان المسلمون ووزارة الأوقاف يهنئون أهالي أسيوط الكرام بصلاة العيد)، لقد استبدلو الإخوان بالمحافظ!
بعد الصلاة كانت الخطبة السريعة من أحد شيوخ الأوقاف الذي تحدث عن الثورة بحماس، ثم بدأت حفلة الإخوان على مسرح ضخم بالضبط في نفس المكان الذي كانت فيه حفلة الأمن السابقة، وفوق المسرح نفس اللافتة التي تحمل اسم المحافظ مهنئاً بالعيد، ومن فوقهم الكوبري عليه لافتات الإخوان والمحافظ، ويستخدمون في الحفل نفس المكرفونات العملاقة بالضبط .. أرى العديد من الوجوه الإخوانية الجديدة التي لم نكن نراها في حفلات الاعوام الماضية ولم نرها في مظاهرات الثورة إلا متاخراً جداً، بينما غاب العديد من الوجوه القديمة التي كانت تتولى أمر الحفل دائماً . يعلنون عن توزيع جوائز وأن من سيسلمها هو (الأستاذ سمير خشبة) الذي كان مرشح الإخوان في آخر انتخابات، ظننت أنهم سيقولونها مرة بشكل عادي وانتهى الأمر، لكن ظلوا يكررون اسمه بشكل غريب، مع كل تسليم جائزة يكررون الاسم عدة مرات (الآن سيتحدد اسم الفائز الذي سيسلمه الأستاذ سمير خشبة جائزته) (الفائز رقم كذا عليه الحضور للمنصة ليتسلم الجائزة من الاستاذ سمير خشبة) (الآن الأستاذ سمير خشبة يسلم التلفزيون 21 بوصة للفائز فلان) ..الخ الخ .. أظن أني سمعت اسمه عشرات المرات خلال أقل من ساعة .. والأستاذ سمير نفسه قد ارتدى نظارة سوداء - رغم أن المكان ظليل - مما أعطى شكله انطباعاً حكومياً كأنه المحافظ أو ضباط أمن الدولة الذين كانوا يقفون بالقرب من نفس المكان بنفس النظارات!

بينما أنا أتأمل المشهد كله تتردد في ذهني آية "ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون"
"ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون"
"ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون"









  
 

فيديو نزع لافتة حزب الجبهة
 http://www.youtube.com/watch?v=4Bppiw-l0kg 

هناك 7 تعليقات:

  1. انا كنت فى العيد دا بصلى فى ادكو وحصل ان مؤيدى البرادعى جم مخصوص يعكننوا الصلاة وعلقوا يفط البرادعى قبل صلاة العيد ب 5 دقايق بعد ما الأخوان نصبوا الفراشة ’ ودا اسمع سرقة مجهود وكمان وزع بتوع البرادعى ورق ليهم ,طب دا مش استغلال للدين برضه وخلط للدين بالسياسة ولا أيه, والناس اللى جاية تصللى العيد مش هتفكر أن البرادعى تبع الأخوا وممكن يكرهوا الأخوان لأنهم تبع البرادعى ,
    وايه اللى يدخل دعاية سياسية لمصلى العيد الأخوان معملوهاش ومعلقوش يفط للحزب ليه أنتا تيجى وتبوظ المكان عليهم

    ردحذف
  2. كم أنت رائع ونبيل
    ليت كل النخبة المثقفة مثلك أيها النبيل

    ردحذف